أعلم أنى لم أكتب إليك منذ شهور .. ربما تغير عنوانك فأنا أثق بجنونك دوماً ، هذه هى رسالتى الرابعة إليك .. منذ أن إلتقينا اًخر مرة فى اسكندرية ، ومنذ أن وصلنى خطابك الثانى من شهر ونصف تقريباً .. أعلم كل شىء وأعلم أنك غاضب لأنى أكتب وغاضب لأنى لم أكتب ... أعلمك جيداً يا طفلى الأول .
أين أنت ؟ وكيف تقضى يومك بعيداً عن بيتك ؟ هل تكتب ؟ ماذا تكتب ؟ ومن يبدى رأيه بكتاباتك ؟ ومن يعلق على خط يدك ؟ كيف أصبحت أنفاسك ؟ مازالت متوهجة كما عهدتها ؟ أم امتلأ صدرك بثليج الغربة ؟ هل تجمدت أطرافك ؟ أم مازالت يدك دافئة .. كفك مكتنز وخطوطه واضحة ؟
أتبتسم فجأة كما كنت تدهشنى أم أصبحت تفكر كثيراً لهذه الدرجة ؟ من يضحكك ؟ وما المنظر الذى تطل عليه نافذتك ؟ أمازلت تدخن ؟
لقد تركت مكانى القديم .. ورحلت إلى مكان لا أستطيع تمييز معالمه بعد ، تركت كل شىء ورائى ، وحملت كالحمقاء كل شىء يذكرنى بك .. لى أصدقاء جدد ، يأتون ويرحلون .. يعزفون الموسيقى فى كل مكان ، أحدهم يذكرنى بك ، له طريقة مشيتك الموهوبة ، واَخر يذكرنى بك ، عندما ترفع رأسك فجأة ، واَخر يذكرنى بك .. عندما تفرك كف يدك ، واَخر يذكرنى بك .. عندما تنظر لى وكأنك تعرف ما أفكر به .. أنت .. مازلت بقلبى .
الحياة هنا ... الحياة هنا .. أنا .. لم أعد أطيق .. لم أعد أطيق الهواء بدونك .. ولا صوت ضحكات الأطفال .. لم أعد أطيق جمالي المتقلب .. ولا نهنهة بكائى ليلاً .. ما أقسى الحياة بدون توقف ، الحياة لا تتوقف ! لا تتوقف .. مازلت أعانى هذا الصداع بنصفى الأيسر .. والوقت .. الوقت وأنت خلفي لا يظهر رحمة ، ولا يتراجع عن قرار ، كل شىء يرفض إعطائي مهلة لأتوقف عن التفكير .. لألاحظ نفسى بالمراَة كما كنت تلاحظنى أنت ..
أعرف أنك تعرفنى جيداً .. لذلك فأنت تعرف أنى أتمنى الاَن .. أن تقع رسالتى فى يد صديقتك الفرنسية ، ذات الشعر الأصفر القصير ، نعم تلك التى كانت تضع لى الملح فى كوب الشاى ليسخر منى أصدقاؤك ، واعلم أنك مازلت غاضب لأنى لم أفهم المزحة .. لكنى أقسم للمرة المليون .. أنى لم أقصد كسر ذراعها .
لا أخرج من بيتى أبداً .. ولا أزور المقهى سوى مرة واحده فى الأسبوع ولا أبقى طويلاً .. لا أستطيع وصف ما أشعر به تجاه أحد خارج حدود غرفتى ، وأصبحت أعجز عن فهم من حولى ، لا لست مكتئبة ، لكنى لا أفهم فقط .. لم أهتم برؤية أشخاص لا يهتمون بى ؟ ولا يعرفوننى ؟ ولا يحزنون لأجلى .. وماهذا الزحام الوهمى برأسى ؟ ولم أفتح بابى لفئران الفرحة الزائفة ؟ ولم أضحك عندما لا أرغب فى الضحك ؟ والحزن قريب قرب رئتى إلى صدرى .. هناك شىء يضيع ولا أعرفه يا صديقي ، أفتقدك متى ستعود لرؤيتى ؟ ومتى سأتوقف عنك ؟ ومتى سأخرج من بيتى لأمشى حتى اَخر الشارع ؟ دون خوف ...
لا أعلم متى سأكتب إليك ثانية ، فردك وعدم ردك لم يؤرقنى لسنين طويلة .. فأنت بكلا الحالتين .. مازلت بعيداً .
ولكنى أعلم أن رسائلى تصلك ورسائلك تصلنى ، وخط يدى تقرأه عيناك وتلمسه يداك ، وهذا يكفينى وحدى .
لا تلتفت وراءك .. أحبك
ملحوظة ..
إن كانت الشقراء هى من تقرأ خطابى فكم أرغب فى قول هذا .. نعم كنت أتعمد كسر ذراعك .. وكم أسعدنى ذلك .