Wednesday, December 26, 2007

دارينا

ألقى نظرة سريعة على القائمة .. ركن خاص بأنواع القهوة التى تحمل أسماء بعض أغانى فيروز المفضلة لدى
صباح و مسا
أنا عندى حنين
حبيتك تنسيت النوم
و لم يستطع أن يدارى ضحكته عندما وصل للقهوة التى تحمل حبيتك بالصيف .. ثم رأى بجانبها صنف آخر من القهوة يحمل اسم حبيتك بالشتى
و ظللت أنا أتابعه من خلف نظارتى الطبية التى أقرأ بها الجريدة .. فى الواقع نظرى ليس ضعيف بالمرة .. و لكنها تعطى طابعا جدياً لوجهى يجعلنى أكثر وقاراً .. و تعطينى سناً أكبر من سنى حتى يليق بى منصبى فى المقهى
هكذا كنت أظن ذلك إلى أن أشار لى ذلك الفتى الذى يبدو أنه لم يتجاوز نصف عقده الثالث .. يبدو من هيئته و تصفيفة شعره أنه ما يزال بوهج أوائل العشرينات
ربما يحسبنى النادلة ؟؟
بوقار تام .. تحركت إليه ببطء شديد .. و تعمدت أن ألقى أوامراً هنا و هناك للنادلات قبل أن أصل لطاولته حتى يستشف هو من أكون دون أنا أضطر أنا لإخباره
لو سمحتى .. هو ايه ده ؟؟
و أشار لقائمة الأغانى .. أقصد قائمة المشروبات
دى أنواع قهوة .. احنا هنا بنعمل قهوة على أسماء الأغانى
ليه ؟؟؟
هو ايه اللى ليه ؟؟؟ .. بنخترع .. ماهو من حق كل مواطن إنه يخترع زى ماهو عاوز يعنى
يعنى دى أنواع معروفة و انتو غيرتو أسماءها يعنى ؟؟
لا .. دى أنواع إحنا اللى مظبطينها .. ماحدش تانى بيعملها غيرنا
و كل نوع مرتبط باسم الغنوة يعنى ؟؟ .. يعنى الاسم له علاقه بنوع القهوة و لا ده مجرد اسم و خلاص؟
انت بتسأل كل ده ليه ؟؟ .. انت ناوى تطلب حاجة يعنى محددة و لا بتسأل و خلاص و بعدين هاتقوم تمشى ؟؟
لا بجد عاوز اعرف .. الحكاية مثيرة للاهتمام
اهااااااااااااا .. طب يا سيدى .. عشان اريحك يعنى .. كل نوع من دول مرتبط باسم الغنوة بتاعته .. سواء بمعناها أو بالحالة بتاعتها
طب ممكن سؤال ؟
اتفضل .. بس يارب يكون آخر سؤال قبل ما تقولى الاوردر بتاع حضرتك
دارينا.. عاوز اعرف بس هى ايه ؟ .. يعنى بتتعمل ازاى ؟؟
انا ممكن اقولك المكونات لكن ماقدرش اقولك الصنعه .. بس دارينا بالذات انا متأكده أنها هاتعجبك .. بص يعنى يا سيدى هى بتتعمل من نوع معين من البن اليمنى داخل فيها شوية قرفة و كراميل .. بتتغلى بطريقة معينة و لمدة معينة .. و الكريمة زى ما تحب .. و ممكن تضيف شيكولاتة أو لا .. زى ماتحب برده .. بس لازم تقولى السكر بتاعك قبلها عشان السكر بيتقلب فيها قبل ماحطها عالنار .. فهمت حاجة ؟؟
لاحظت أنه لا يستمع .. فقط هو يرقب حركاات يدى و أنا أصف .. صوتى .. و عيونى من خلف زجاج النظارة .. يلقى ابتسامة لى بين كلمة و أخرى و يرقب وقعها على سرعة حركة جفنى
لا أدرى كيف جلست على الكرسى الذى سحبه لى و أنا مستغرقة فى الوصف و الحديث .. فقط ظللت مستغرقة فى وصف أنواع القهوة الأخرى .. أريد أن أعرف نوعه المفضل .. و لكنه لا يبدى إعجابه بأى نوع عن آخر
جعلنى استغرق فى وصف الصنع .. كأننى استعرض له فنى .. و قد لاحظت أننى بدأت أحاول جاهدة لفت انتباهه إلى .. لأنه بالفعل بدأ يروق لى .. و أنا نادراً ما يحدث معى ذلك
لا أدرى كم من الوقت مضى على حديثنا .. كان يستمع باهتمام شديد .. يبتسم بعذوبة متناهية .. و يدون بعض من الكلمات فى مفكرة صغيرة .. و ظللت أنا اتصنع عدم الاهتمام بما يكتب ..و لكن كل ما خطر لى وقتها أنه ربما كان كاتب أو شاعر .. جاء مقهانا ليستوحى من جوه المميز شئ ما .. ربما سيكتب عنى أنا تحديداً .. و كلما استولت على تلك الأفكار كلما زدت فى إشراقتى بالحديث .. و كنت قد خلعت نظارتى لأبدو أكثر جاذبية .. ووضعت ساقاً على ساق كى أبدو أيضاً أكثر ثقة
و هكذا بعد وقت لم أحسبه من الحديث وجدته يلملم أشياءه و يهم بالرحيل .. تعجبت لأنه لم يطلب شيئاً مما جعلنى استغرق فى شرحه .. ثم رأيته يتمتم بينه و بين نفسه أنه بالتأكيد دارينا .. تعجبت كثيراً فلم استطع منع نفسى من التساؤل ماهو الذى بالتأكيد دارينا .. و لكنه ضحك ضحكة ذات معنى .. ثم قام ليرحل
طب يعنى انت ماطلبتش اى حاجة كده ؟؟ ينفع كده ؟؟ و لا مشاريبنا مش عاجباك ؟؟
لا مش القصد طبعا .. بس أنا أساسا مابحبش القهوة .. لكن مراتى هى اللى بتحبها أوى و مضيعة كل وقتها و فلوسها وفلوسى على القهوة بتاعتكو دى .. و أنا بصراحة مابقيتش عارف أتصرف معاها إزاى .. معلش بقا اضطريت آجى أعرف أنتو بتعملو ايه هنا عشان أجرب أنا اعملهولها .. و أهو نوفر شوية بدل الفلوس اللى عماله تطير فى الهوا على كلام فاضى دى
و هكذا ألقى بكلماته و اختفى بلمح البصر .. تاركاً على وجهى أغبى تعبير يمكن أن يتركه رجل على وجه امرأة فى الكون

Tuesday, December 25, 2007

إيطالى تائه

دقت الساعة الحادية عشر مساءً .. وتضاعف العدد داخل المقهى بشكل غير مسبوق .. تبقى ساعة واحده على العام الجديد ، وامتلأت الطاولات بالزبائن .. الاصدقاء والعشاق ... كان المقهى مزيناً بشجيرات عيد الميلاد الصغيرة وباقات الزهور الرائعة ، وضعنا على الطاولات مجموعة من أغانى عيد الميلاد لفيروز ، ومشروبات مجانية مع ثانى طلب للزبائن ، كما كنا نهدى ألبوم فيروز لعيد الميلاد
لكل طاولة ..
فى الحادية عشر والنصف تقريباً دخل هو .. شاب طويل .. يرتدى بدلة سوداء يختفى معظمها تحت بالطو طويل أسود ، رفع عن رأسه قبعته الإيطاليه ، فظهر شعره الأسود الناعم ، وجبهته البيضاء .. نظر حوله يبحث عن طاوله خاوية ... ولكن دون جدوى ، وقبل أن يخرج وقف لبضع ثوان وكأنه يستمع الى الأغنيه .. ثم ابتسم ... ناديت النادلة وأخبرتها أن تحضر للغريب طاولتى الخاصة ، فلم يأت احد من أصدقائى بعد على كل حال ، ركضت اليه قبل أن يخرج وأخبرته عن الطاوله فابتسم لها وأومأ برأسه ..
جلس فى هدوء ، وظل يفرك يديه محاولاً تدفئتهما .. ثم تناول قائمة الأغانى وابتسم ... يرشف قهوته هو يتأمل الشارع من خلف زجاج المقهى .. وبين الحين والاخر ينظر حوله وكأنه ينتظر أحد الأشخاص .. تمنيت أن يأت اليه من ينتظره حتى لا تمر عليه لحظته وحده .. فأعلم جيداً قسوة هذه اللحظة ، وانشغلت عنه لبضع دقائق بزبائنى ، وتحضير المقهى لليلة رأس العام
لحظات قليلة ويبدأ العام الجديد .. نظرت اليه فى يأس وهو يقرأ فى كتابه ، غير مبال بالضوضاء التى تحيط به ، فنجان اخر من القهوة لم أسأل النادلة ان كان الغريب أجنبياً ... ولكنى توقعت من مظهره الإيطالى الجذاب ، وغربته التى يتحضنها بكتابه أنه غريب بالفعل .. وربما ضل طريقه فى ليلة مزدحمة .. اردت فقط تهنئته
انطفأ نور المقهى بعد العد التنازلى وعلا صراخ الجميع ، تقدمت ناحيته بتردد وهو ينظر حوله مبتسماً .. وعندما اقتربت عاد الضوء ورأيت وجهه عن قرب ... فاختفت الأصوات الاخرى للحظات
" merry christmas "
نظر لى بدهشة شديدة .. وطلت من وجهه المضىء ابتسامة ساحرة ...
" وانتى طيبة "
فتراجعت بخجل ... " مصرى" ؟
ضحك وقام من مكانه بكل أدب .. ثم سحب لى المقعد المقابل كى أجلس أمامه .. " أكيد مصرى .. بس مش الليلة دى .. تشربى ايه؟
عدت طفلة .. وفى نفس الوقت .. شعرت للمرة الأولى بحياتى أنى امرأة .. لم أرد اخباره انى صاحبة المقهى ، فقد كنت استمتع بكونى غريبة أخرى ، شاركته قهوته ... فضحك وطلب له فنجان اخر ، يحكى لى عن أسفاره وغربته .. وخوفه من السفر ، وأصدقاءه الذين فقدهم فى الطريق .. وأحباءه المتفرقين ، وحبيبته الوحيده ... ورغم حزنه الشديد الذى شعرته بين كلماته ، فقد كان يطل من عينيه شغف شديد للحياه أظهره حبه للمطر والشتاء .. وسألنى لم أقضى ليلتى وحدى ، فأخبرته أنى غريبة أخرى ولكنى على عكسه أعشق السفر مهما أذاقنى من الامه ، فهو يطهرنى من اثامى ويفتح قلبى على عالم جديد .. نظر لى وابتسم ، وأخبرنى أنى صديقة غربة واحده ، مثيرة للاهتمام .. فلم يسبق له الحديث مع أحد الغرباء عن حياته السابقة .... أخبرته أنى أجلس فى هذا المقهى بين الحين والاخر .. فلا يسأل عنى أحد ، سيجدنى على هذه الطاولة ان رغب أن يشاركه أحد فى قهوته مرة ثانية
ضحك وارتدى قبعته فاختفت جبهته البيضاء تحتها ... قبل يدى وابتسم ، ثم غادر المقهى بهدوء وكأنه حلم ...
بقيت لدقائق وانا جالسة فى مكانى .. ثم تذكرت فجأة شىء هام .. ورركضت وراءه ، بحثت عنه فى الشارع المزدحم ولكنه كان قد اختفى ....
ترى .... ما اسمك؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟