Wednesday, March 19, 2008

الموعد

قال:مش ناوية تبقى مرة زبونة و أعزمك على قهوة ؟


قلت : عيب يا فندم .. ده احنا دافنينه سوا


ثم وقعنا فى ضحك داعب كل أركان المقهى التى مازالت ساهية عن الصباح ..... هل قلت لكم أنه رجل أربيعينى ؟ يبدو من هيئته كذلك .. رغم كل الطاقة التى تنبعث منه.. إلا أن ذلك الضى الرمادى على جانبى و مقدمة رأسه ينبأ عنه .. و رغم ذلك هو أنيق جداً .. مرح جداً ..تنبعث منه الحياة .... جداً


على غير العادة جاء فى ساعة مبكرة .. وحيداً إلا من بعض الأوراق و معطف على ما يبدو أنه جديد .. كنت وحيدة فى المقهى حين دخل .. حين هممت بفتح النافذة التى فى مواجهة الباب وجدته يدخل و يبتسم لى فى الزجاج .. كانت أول مرة يأت بمفرده للمقهى .. هل كان البرد يومها يمنع كل شئ من الحياة إلا هذا الرجل ؟ .. لا أدرى .. فقط أعددت له طلبه الصباحى و أحضرته .. قهوته الأمريكية مع قطعة من الكرواسون


صباح الفل .. لواحدك ليه يا جميل؟؟ . ثم ألقيت له غمزتى المعتادة التى لا أجيدها


لا النهاردة عندى معاد من نوع تانى .. و لا يمكن هاتقدرى تخمنى أى حاجة يا لئيمة . ثم ألقى هو غمزته التى حتماً يجيد أدائها أفضل منى بمراحل

هنا أثار كائنى الفضولي .. و لكننى قاومت بكل ما لدى أن يلاحظ أننى مهتمة ... أدرت وجهى بابتسامة حاولت بقدر الإمكان أن تكون محايدة .. و ذهبت كأننى منشغلة حتى صباح اليوم التالى فى أشغال المقهى




ظل وحيداً ساعتين .. و امتلأ المقهى رغم توقعاتى أن تتوقف فيه الحياة اليوم .. صار البخار يملأ كل مكان .. و اختلطت رائحة القهوة برائحة الأنفاس المحملة بالتبغ .. شعرت بدفئ و انتعاش شديدين جعلانى أضطر أن أخفف من بعض ملابسى .. فخلعت عنى سترتى و كوفيتى و حذائى .. كنت أتجول ببلوزة صوفية حمراء و جونلة شانيل كحلية و فى قدمى أرتديت صندلى الأرضي المفتوح وردى اللون الذى خصصته للمشى داخل المقهى فقط لأننى كنت أخجل أن أرتديه دون جورب فى الشارع .. و كنت وحدى أقوم بكل شئ .. أحاول جاهدة ألا أبدو منهكة أو مرتبكة .. و أحاول جاهدة أيضاً ألا أبدو أننى أراقبه .. ظل يدخن و يدون و يشرب القهوة طوال الساعتين دون أن ينظر لساعته مرة واحدة .. تعجبت .. فأنا كنت أظنه فى موعد ينتظر إحداهن .. و مازلت على أمل أن تدخل تلك الفتاة التى بالطبع ستكون آسرة الجمال .. تلقى وشاحها و حقيبتها على ظهر المقعد المقابل له و تبدأ فى مجالسته .. لولا أن اليوم كان مزدحماً بالفعل لكنت شعرت بملل شديد من جلسة هذا الرجل .. و لكننى كنت بالفعل منشغلة جداً لا أكاد أنتهى من العمل


أود أن أقول لكم أنه لم يكن يلاحظنى على الإطلاق .. لا فى تلك المرة و لا فى المرات السابقة .. لم يكن يفعلها صدقونى .. تلك الأفعال أستشعرها برادار غريب .. اشم رائحتها كجرو شقى .. لكنه أبداً لم يفعلها .. لذا كنت اعتبر ما بيننا صداقة جميلة .. خاصة و أنا فى عمر ابنته .. نعم فى عمر ابنته الكبرى إذا أردنا التحديد .. ذلك الرجل الكزانوفا الأربعينى لم يغازلنى أبداً .. و تلك المحادثة التى دارت بيننا فى أول الصباح لم تكن أكثر من دعابة لطيفة كبديل عن تحية الصباح لقتل الملل ليس إلا


هكذا كنت أظن .. لولا أننى كنت أقف فى مواجهته أحادث إحدى زبوناتى الحميمات .. ثم تطرق الحديث بيننا عن بعض الهموم الشخصية .. و كنت قد اضطررت لمجالستها بضع من الدقائق لأن حديثها أثارنى .. و فى غمرة الحديث دمعت عيناى .. حالتها كانت مؤسفة بحق .. و هى كانت فى وحدة لا تحسد عليها .. لذا لم استطع مغادرتها دون أن تكمل حديثها لآخره .. و سهوت تماماً عن ذلك الكائن الذى يلتصق بظهرى يسمع كل ما بيننا


أنا سريعة البكاء .. سريعة الضحك .. سريعة البكاء داخل الضحك .. سريعة الضحك داخل البكاء .. مخلوقة مرتبكة تدعو للارتباك .. و هكذا فى لحظة كنت جعلت زبونتى الحميمة الباكية تقع من الضحك و الدموع لم تزل تبلل عيوننا نحن الاثنتين .. ثم هممت بمغادرتها و أنا مازلت اتفقدها بحواسى و الضحكة لا تفارق وجهها .. و حين أدرت ظهرى وجدته رحل


لم يكن يراقبنى .. لم يغازلنى قط .. لم يكن اكثر من صديق ودود اراه مرة واحدة من كل شهر .. فلماذا خفق قلبى وتوردت بشرتى و تثلجت أطرافى إذن حين وجدت تلك الورقة على طاولتى


إنتى جميلة بجد .. هاشرب معاكى القهوة المرة الجاية .. هاتكسفينى ؟؟

4 comments:

سابرينا said...

رغم ذلك هو أنيق جداً .. مرح جداً ..تنبعث منه الحياة .... جداً
قليلون هم من تنبعث منهم الحيااااااااه
بوست حلو سكره زيااااااده

شيماء الجيزى said...

لم اتمالك نفسى
اننى اريد ان اكتب انــ
لا يوجد ما اقوله
لقد توارد فى ذهنى هذا كله
لكن انت قولتيه مما جعلنى متشوقه
اهذا سحر بالله عليكِ؟

تحياتى القلبيه لقهوتك

ســـــــهــــــــــر said...

ممكن اسجل اعجابى بطريقة سردك التى تنم عن مبدعه بحق ؟
ممكن اقولك انك اثرتى فى داخلى اثار الحياه و مرحها المفقود .. فقط فى بضع كلمات ..؟

سيدتى
انتى رائعه بحق

تقديرى

Anonymous said...

جميل أوى البوست و تنبعث منه الرقة..