أخيراً أشفق النوم على حالى فى السابعة صباحاً ، ولو أغمضت عينى الان لن أستيقظ فى ميعادى وسنخسر زبائن الصباح .. لا شمس اليوم ، الجو هادىء ، دافىء نوعاً ما .. وصلت المقهى فى الثامنة تقريباً .. لم تأت النادلات بعد .. وشريكتى رغم علمى بيومها السابق المرهق حاولت الاتصال بها وهاتفها مغلق بالطبع .. أردنا إضفاء بعض التغييرات على الديكور ففتحنا باباً للإرهاق لم نكن مستعدين له .. على كل حال جلست على الأرض فى اخر المقهى أشرب قهوتى وأفكر فى إغلاقه والعودة فى العاشرة .. وقفت أغسل فنجانى وأنظف الطاولات .. فيروز ؟؟ لا مانع ، ربما يستحى صداعى المزمن ويهدأ لبعض الوقت .. دقات هادئة وكأنه باب مكتب
رجل .. عادى ، فى منتصف العشرينات ربما ، يفتح نصف أزرار قميصه فيظهر صدره الأسمر ... وفتاة تمسك يده بكلتا يديها ، وتمشى ببطء شديد وعلى وجهها ابتسامة مستفزة ... لا بأس ، فمزاجى اليوم غير اَدمى ..ألقى علي التحية فأومأت برأسى .. واتجها مباشرة الى اخر طاولة فى المقهى ، جلست الفتاة وهو وقف قليلاً ليخرج علبة سجائره من جيوبه ، وظل يتلفت من حوله .. فاقتربت من الطاوله بابتسامة لا أعلم لها مصدر .. ولكن طريقته المهذبة وابتسامته الهادئة أعادت لى بعض الأدب
أنا هاخد قهوة سكر زيادة ... وانتى ؟؟
ظلت الفتاة تقلب فى صفحات القائمة عدة مرات ، حتى وصلت احدى النادلات .. فاندهشت لمجيئى المبكر .. أشرت لها أن تدون الطلبات وتبدأ عملها .. طلبت الفتاة قهوة سكر زياده ومعها شيكولاته ، بعد مرور نصف ساعة تقريباً قضيتها فى عمل بعض المكالمات ، وإعداد قائمة فيروز الجديده ، انتقل الشاب من المقعد المقابل لها الى المقعد المجاور واحتضنت يداه يدها بحنان ، يهمس لها فى أذنها وهى تخفى وجهها ، وبأصبعها تشير له بالرفض .. وتضحك ضحكة عالية ، تبدأ الأغنية .. فينظر الى مصدر الصوت ويبتسم ، وكأنها
بالضبط ما رغب فى سماعه الان ، جذب يدها اليه وقبلها .. وهى ظلت ساكنة ، تضحك بين الحين والاخر .. وأنا بقيت ساكنة .. أشتعل بين الحين والاخر .. وأضع يدى على رأسى من قسوة الصداع .... اقترب من وجهها ولامس أنفها بأنفه فتراجعت فى خجل مدبر وضربته على كتفه برفق .. فوقع ضاحكاً واقترب مرة ثانية ... وضع يده على وجهها يتحسسه وهى تغمض عينيها وتحرك رأسها بدلال ... وكأن أصابعه تعزف مقطوعة هادئة على وجهها ... وفجأة نظر ناحيتى وتلاقت عينانا .. لم أتحرك لثوان قليلة ابتسم خلالها لى فى تحد غريب .... اشتعل صوت فيروز وتضاعف صداعى ، اقترب من وجهها وقبلها على خدها ببطء شديد وهو ينظر لى ... فنهضت بعنف وجلست خلف عربة ميس الريم المحطمة استرد أنفاسى .. رغم صوت فيروز فى الغنوة النابضة بالحياة ، مازلت استطيع سماع ضحكتها ، وبعد لحظات عدت الى طاولتى فى ثبات .. فنظر ناحيتى مرة ثانية ، نهضت الفتاة واقتربت من النادلة تحدثها ، فاصطحبتها الى دورة المياه فى اخر الرواق .. حاولت الانشغال فى اعداد قائمة فيروز الجديدة وجلست اشرب قهوتى الساخنة .. وهو .. جلس يدخن سيجاره ويرفع رأسه ثم يخرج دخانها ببطء شديد .. فكرت فى الخروج لشراء مسكن لرأسى .. وقبل أن أنهض ... اقترب ناحيتى بخطوات ثابتة سريعة .. ووضع يده على طاولتى فرفعت رأسى ..
على فكرة .. الصداع ما بيضيعش بالقهوة .. ولا بالمسكن .. الصداع له حل واحد لو قلتلك عليه هتزعلى منى اكيد .. ويمكن ماتدخلنيش هنا تانى .. وانا باحب المكان اوى
خلاص ماتقولش .. هى المسألة قلة نوم .. انا علاجى أنام
بالظبط .. ما هو النوم برضة مشكلة .. وله حل واحد بس لو قلتلك عليه برضة هتزعلى منى اكيد
ابتسمت رغم أنفى ... وهو ضحك ضحكة قصيرة
إدفع حسابك وامشى من هنا
فوقع ضاحكاً ... عادت الفتاة لتجده امام طاولتى ، فنظرت لى فى دهشة ، والغريب أنه لم يحاول التظاهر بأى شىء .. بل استمر فى الضحك واخرج سيجارة اخرى واشعلها وهو ينظر لى ... فناديت النادلة لتأخذ حساب الطاولة المريبة
خرجت الفتاة من المقهى ووقفت تنتظره وهى تنظر لى كما لو رغبت فى ابتلاعى حية ... فأخذت قائمتى وجلست خلف عربة ميس الريم فى اخر المقهى .. وبعد لحظات عدت الى الطاولة لتفاجئنى النادلة
السيجارة دى من الأستاذ اللى كان هنا .. وبيقول لحضرتك ... دى عشان الصداع .. بس خديها بعد .. مش قبل