أحاول أن أتخيل .. كيف تتحمل فتاة السابعة العشر .. قهوة بلا سكر
لكنها لم تكن تأتى إلا و تطلبها .. ثم تخرج من حقيبتها جريدة ما .. معها دائماً مجموعة من الجرائد باسماء مختلفة
تظل ترشف القهوة باستمتاع غريب .. و تقلب باهتمام شديد فى جريدتها .. و أنا أرقب حركة يديها التى تزيح بها خصلات شعرها المموج عن جبينها بمنتهى القسوة .. اتعمد أنا وقتها أن استفز رقتها الكامنة بأغنية ما .. علها تبتسم .. لأرى الجزء الكامن منها .. و التى تواصل هى اخفاؤه طوال الوقت عن عيون البشر .. ربما هى هاربة بوحدتها تلك من أكوان الأحاديث التى تسلل من أعين البشر أينما وجدت .. رعشة ما بكفها الذى يحمل الجريدة أصابتنى برغبة عارمة فى بدء حديث ما معها .. لكنها دائماً كانت احرص من المعتاد .. لا لحن اخترقها .. و لا حديث جانبى اقتحم عليها وحدتها الصارمة
ذات صباح موصول بليلة بلا نوم كالمعتاد .. كانت تلك الأغنية انسب ما قد اسمعه ذلك الصباح .. القهوة خالية .. و لحن هادئ يداعب أرق جفونى الحمراء من ندرة النوم
شو بخاف .. نص الليل .. ما حكيك
دخلت هى .. تزيح الموجة الراسية على جبينها عالمعتاد .. هالها للحظة أن القهوة مازالت خالية .. أخرجت لأول مرة علبة سجائرها .. و نظرت نحوى كى تطلب قهوتها .. و كانت تخاف أن أمنعها من التدخين داخل القهوة .. فكانت نظرتها متوجسة نوعاً ما .. انتهزت أنا الفرصة و أشحت بوجهى بعيداً ناحية النافذة .. و كأننى لا أراها .. خمنت أنها ستضطر للقيام بنفسها كى تطلب القهوة منى مباشرة .. و لقد كان تخمينى فى محله .. تحركت ببطء متوجس نحو طاولتى .. تعمدت أن ابتسم لها قبل أن أبادلها أى حديث .. فابتسمت هى للمرة الأولى .. رأيت نوراً ما ينبعث من الجزء الذى توقعته بروحها .. و قبل أن تطلب هى أخبرتها أنى أعرف طلبها .. فقط أنتظرت أن تطلب هى حتى تشرب قهوتها ساخنة كما تحبها .. فابتسمت مرة ثانية
صنعت لنا فنجانين من القهوة .. قهوة بدون سكر .. لأول مرة سأجربها معها .. جلست معها أقلب فى جريدة من إحدى الجرائد التى تحملها معها دوماً فى حقيبتها .. و حدثتنى عن حلم ليلتها الماضية كأنها تعرفنى منذ أعوام .. و حكيت لها عن نوبات الأرق المتصل التى تصيبنى دوماً .. ثم أشعلت لى معها سيجارة .. و ظللنا نتجاذب أكوان الحديث كثيراً .. حتى امتلأت طاولات المكان