Thursday, March 20, 2008

شهوة سكر زياده

أخيراً أشفق النوم على حالى فى السابعة صباحاً ، ولو أغمضت عينى الان لن أستيقظ فى ميعادى وسنخسر زبائن الصباح .. لا شمس اليوم ، الجو هادىء ، دافىء نوعاً ما .. وصلت المقهى فى الثامنة تقريباً .. لم تأت النادلات بعد .. وشريكتى رغم علمى بيومها السابق المرهق حاولت الاتصال بها وهاتفها مغلق بالطبع .. أردنا إضفاء بعض التغييرات على الديكور ففتحنا باباً للإرهاق لم نكن مستعدين له .. على كل حال جلست على الأرض فى اخر المقهى أشرب قهوتى وأفكر فى إغلاقه والعودة فى العاشرة .. وقفت أغسل فنجانى وأنظف الطاولات .. فيروز ؟؟ لا مانع ، ربما يستحى صداعى المزمن ويهدأ لبعض الوقت .. دقات هادئة وكأنه باب مكتب
رجل .. عادى ، فى منتصف العشرينات ربما ، يفتح نصف أزرار قميصه فيظهر صدره الأسمر ... وفتاة تمسك يده بكلتا يديها ، وتمشى ببطء شديد وعلى وجهها ابتسامة مستفزة ... لا بأس ، فمزاجى اليوم غير اَدمى ..ألقى علي التحية فأومأت برأسى .. واتجها مباشرة الى اخر طاولة فى المقهى ، جلست الفتاة وهو وقف قليلاً ليخرج علبة سجائره من جيوبه ، وظل يتلفت من حوله .. فاقتربت من الطاوله بابتسامة لا أعلم لها مصدر .. ولكن طريقته المهذبة وابتسامته الهادئة أعادت لى بعض الأدب
أنا هاخد قهوة سكر زيادة ... وانتى ؟؟
ظلت الفتاة تقلب فى صفحات القائمة عدة مرات ، حتى وصلت احدى النادلات .. فاندهشت لمجيئى المبكر .. أشرت لها أن تدون الطلبات وتبدأ عملها .. طلبت الفتاة قهوة سكر زياده ومعها شيكولاته ، بعد مرور نصف ساعة تقريباً قضيتها فى عمل بعض المكالمات ، وإعداد قائمة فيروز الجديده ، انتقل الشاب من المقعد المقابل لها الى المقعد المجاور واحتضنت يداه يدها بحنان ، يهمس لها فى أذنها وهى تخفى وجهها ، وبأصبعها تشير له بالرفض .. وتضحك ضحكة عالية ، تبدأ الأغنية .. فينظر الى مصدر الصوت ويبتسم ، وكأنها
بالضبط ما رغب فى سماعه الان ، جذب يدها اليه وقبلها .. وهى ظلت ساكنة ، تضحك بين الحين والاخر .. وأنا بقيت ساكنة .. أشتعل بين الحين والاخر .. وأضع يدى على رأسى من قسوة الصداع .... اقترب من وجهها ولامس أنفها بأنفه فتراجعت فى خجل مدبر وضربته على كتفه برفق .. فوقع ضاحكاً واقترب مرة ثانية ... وضع يده على وجهها يتحسسه وهى تغمض عينيها وتحرك رأسها بدلال ... وكأن أصابعه تعزف مقطوعة هادئة على وجهها ... وفجأة نظر ناحيتى وتلاقت عينانا .. لم أتحرك لثوان قليلة ابتسم خلالها لى فى تحد غريب .... اشتعل صوت فيروز وتضاعف صداعى ، اقترب من وجهها وقبلها على خدها ببطء شديد وهو ينظر لى ... فنهضت بعنف وجلست خلف عربة ميس الريم المحطمة استرد أنفاسى .. رغم صوت فيروز فى الغنوة النابضة بالحياة ، مازلت استطيع سماع ضحكتها ، وبعد لحظات عدت الى طاولتى فى ثبات .. فنظر ناحيتى مرة ثانية ، نهضت الفتاة واقتربت من النادلة تحدثها ، فاصطحبتها الى دورة المياه فى اخر الرواق .. حاولت الانشغال فى اعداد قائمة فيروز الجديدة وجلست اشرب قهوتى الساخنة .. وهو .. جلس يدخن سيجاره ويرفع رأسه ثم يخرج دخانها ببطء شديد .. فكرت فى الخروج لشراء مسكن لرأسى .. وقبل أن أنهض ... اقترب ناحيتى بخطوات ثابتة سريعة .. ووضع يده على طاولتى فرفعت رأسى ..
على فكرة .. الصداع ما بيضيعش بالقهوة .. ولا بالمسكن .. الصداع له حل واحد لو قلتلك عليه هتزعلى منى اكيد .. ويمكن ماتدخلنيش هنا تانى .. وانا باحب المكان اوى
خلاص ماتقولش .. هى المسألة قلة نوم .. انا علاجى أنام
بالظبط .. ما هو النوم برضة مشكلة .. وله حل واحد بس لو قلتلك عليه برضة هتزعلى منى اكيد
ابتسمت رغم أنفى ... وهو ضحك ضحكة قصيرة
إدفع حسابك وامشى من هنا
فوقع ضاحكاً ... عادت الفتاة لتجده امام طاولتى ، فنظرت لى فى دهشة ، والغريب أنه لم يحاول التظاهر بأى شىء .. بل استمر فى الضحك واخرج سيجارة اخرى واشعلها وهو ينظر لى ... فناديت النادلة لتأخذ حساب الطاولة المريبة
خرجت الفتاة من المقهى ووقفت تنتظره وهى تنظر لى كما لو رغبت فى ابتلاعى حية ... فأخذت قائمتى وجلست خلف عربة ميس الريم فى اخر المقهى .. وبعد لحظات عدت الى الطاولة لتفاجئنى النادلة
السيجارة دى من الأستاذ اللى كان هنا .. وبيقول لحضرتك ... دى عشان الصداع .. بس خديها بعد .. مش قبل

Wednesday, March 19, 2008

الموعد

قال:مش ناوية تبقى مرة زبونة و أعزمك على قهوة ؟


قلت : عيب يا فندم .. ده احنا دافنينه سوا


ثم وقعنا فى ضحك داعب كل أركان المقهى التى مازالت ساهية عن الصباح ..... هل قلت لكم أنه رجل أربيعينى ؟ يبدو من هيئته كذلك .. رغم كل الطاقة التى تنبعث منه.. إلا أن ذلك الضى الرمادى على جانبى و مقدمة رأسه ينبأ عنه .. و رغم ذلك هو أنيق جداً .. مرح جداً ..تنبعث منه الحياة .... جداً


على غير العادة جاء فى ساعة مبكرة .. وحيداً إلا من بعض الأوراق و معطف على ما يبدو أنه جديد .. كنت وحيدة فى المقهى حين دخل .. حين هممت بفتح النافذة التى فى مواجهة الباب وجدته يدخل و يبتسم لى فى الزجاج .. كانت أول مرة يأت بمفرده للمقهى .. هل كان البرد يومها يمنع كل شئ من الحياة إلا هذا الرجل ؟ .. لا أدرى .. فقط أعددت له طلبه الصباحى و أحضرته .. قهوته الأمريكية مع قطعة من الكرواسون


صباح الفل .. لواحدك ليه يا جميل؟؟ . ثم ألقيت له غمزتى المعتادة التى لا أجيدها


لا النهاردة عندى معاد من نوع تانى .. و لا يمكن هاتقدرى تخمنى أى حاجة يا لئيمة . ثم ألقى هو غمزته التى حتماً يجيد أدائها أفضل منى بمراحل

هنا أثار كائنى الفضولي .. و لكننى قاومت بكل ما لدى أن يلاحظ أننى مهتمة ... أدرت وجهى بابتسامة حاولت بقدر الإمكان أن تكون محايدة .. و ذهبت كأننى منشغلة حتى صباح اليوم التالى فى أشغال المقهى




ظل وحيداً ساعتين .. و امتلأ المقهى رغم توقعاتى أن تتوقف فيه الحياة اليوم .. صار البخار يملأ كل مكان .. و اختلطت رائحة القهوة برائحة الأنفاس المحملة بالتبغ .. شعرت بدفئ و انتعاش شديدين جعلانى أضطر أن أخفف من بعض ملابسى .. فخلعت عنى سترتى و كوفيتى و حذائى .. كنت أتجول ببلوزة صوفية حمراء و جونلة شانيل كحلية و فى قدمى أرتديت صندلى الأرضي المفتوح وردى اللون الذى خصصته للمشى داخل المقهى فقط لأننى كنت أخجل أن أرتديه دون جورب فى الشارع .. و كنت وحدى أقوم بكل شئ .. أحاول جاهدة ألا أبدو منهكة أو مرتبكة .. و أحاول جاهدة أيضاً ألا أبدو أننى أراقبه .. ظل يدخن و يدون و يشرب القهوة طوال الساعتين دون أن ينظر لساعته مرة واحدة .. تعجبت .. فأنا كنت أظنه فى موعد ينتظر إحداهن .. و مازلت على أمل أن تدخل تلك الفتاة التى بالطبع ستكون آسرة الجمال .. تلقى وشاحها و حقيبتها على ظهر المقعد المقابل له و تبدأ فى مجالسته .. لولا أن اليوم كان مزدحماً بالفعل لكنت شعرت بملل شديد من جلسة هذا الرجل .. و لكننى كنت بالفعل منشغلة جداً لا أكاد أنتهى من العمل


أود أن أقول لكم أنه لم يكن يلاحظنى على الإطلاق .. لا فى تلك المرة و لا فى المرات السابقة .. لم يكن يفعلها صدقونى .. تلك الأفعال أستشعرها برادار غريب .. اشم رائحتها كجرو شقى .. لكنه أبداً لم يفعلها .. لذا كنت اعتبر ما بيننا صداقة جميلة .. خاصة و أنا فى عمر ابنته .. نعم فى عمر ابنته الكبرى إذا أردنا التحديد .. ذلك الرجل الكزانوفا الأربعينى لم يغازلنى أبداً .. و تلك المحادثة التى دارت بيننا فى أول الصباح لم تكن أكثر من دعابة لطيفة كبديل عن تحية الصباح لقتل الملل ليس إلا


هكذا كنت أظن .. لولا أننى كنت أقف فى مواجهته أحادث إحدى زبوناتى الحميمات .. ثم تطرق الحديث بيننا عن بعض الهموم الشخصية .. و كنت قد اضطررت لمجالستها بضع من الدقائق لأن حديثها أثارنى .. و فى غمرة الحديث دمعت عيناى .. حالتها كانت مؤسفة بحق .. و هى كانت فى وحدة لا تحسد عليها .. لذا لم استطع مغادرتها دون أن تكمل حديثها لآخره .. و سهوت تماماً عن ذلك الكائن الذى يلتصق بظهرى يسمع كل ما بيننا


أنا سريعة البكاء .. سريعة الضحك .. سريعة البكاء داخل الضحك .. سريعة الضحك داخل البكاء .. مخلوقة مرتبكة تدعو للارتباك .. و هكذا فى لحظة كنت جعلت زبونتى الحميمة الباكية تقع من الضحك و الدموع لم تزل تبلل عيوننا نحن الاثنتين .. ثم هممت بمغادرتها و أنا مازلت اتفقدها بحواسى و الضحكة لا تفارق وجهها .. و حين أدرت ظهرى وجدته رحل


لم يكن يراقبنى .. لم يغازلنى قط .. لم يكن اكثر من صديق ودود اراه مرة واحدة من كل شهر .. فلماذا خفق قلبى وتوردت بشرتى و تثلجت أطرافى إذن حين وجدت تلك الورقة على طاولتى


إنتى جميلة بجد .. هاشرب معاكى القهوة المرة الجاية .. هاتكسفينى ؟؟

Saturday, March 8, 2008

إنه مقطع السمكات و أذيالها

اليوم الثلاثاء الرابع و العشرين من يناير .. البرد يتخلل العروق .. يتسرب بهدوء قاتل لكل مكان .. سيكون المقهى خالياً اليوم

كنت قد هممت أن أغلق المقهى عند الظهيرة إن لم يأته أحد .. و لكننى حين تذكرت التاريخ أقلعت عن الفكرة . حتماً سيأتى اليوم .. سيأتى بابتسامته العريضة و خطواته المبهجة جداً .. ليبدأ باحتراف لم أر مثله من قبل ينثر الفرح على وجه فتاة جديدة .. يعيد لعروقها الدماء .. و يدفع فيها كل ما تمتلكه من كلمة أنثى .. لتصبح بالتدريج و فى آخر المساء فى جيب سترته الأيمن ..حيث أنه لا يستخدم جيبه الأيسر لحفظ أى فتاة ولو لليلة واحدة خوفاً من أن تقترب من قلبه
يبدو حقاً أنه سيصبح يوم مسلى ... أحب دوماً أن أراقبه و هو يفعل ذلك .. رغم أننى ألوم نفسى بعدها كثيراً لعلمى جيداً أنه يعبث بتلك الفتاة التى فى الجهة المقابلة له من الطاولة .. وهو بارع حقاً رفيع الذوق .. يبهرنى دائماً فى كل مرة .. لا يأتِ سوى بأجمل الفتيات و ألطفهن .. ذوقه يتأرجح ما بين الجمال العربى و التركى ..و يحبهن هادئات ليثير صخبهن الأنثوى الكامن .. يعشقهن ساذجات ليكون أول الأساتذة .. كيف عرفت ذلك ؟؟ و كيف لى ألا أعرف .. المرأة التى تمتلك مقهى يجب أن تعرف كل شئ .. ذلك بديهى جداً
فى أقصى يمين المقهى تقع طاولتى التى تسمح لى بمراقبة الزبائن دون إزعاج واضح لأى منهم .. بعضهم يكتشفنى و يتظاهر أنه لم يفعل .. و بعضهم يخبرنى بابتسامة أو ايماءة رأس خفيفة .. هؤلاء تنمو بينى و بينهم صداقة سرية صامتة .. بعض آخر حين يكتشف تطفلى يغضب بصمت و لا يأت مرة أخرى .. أغلب الفتيات التى تكشفنى لا تأتِ مرة أخرى .. أما الرجال فلا يصنع ذلك معهم فرقاً كبيراً .. أنا بالنسبة لهم مجرد أنثى متطفلة كعهدهم دائماً بعادات النساء .. كما أن الرجل دائماً يحب أن تكون هنالك من تراقبه فى أى وقت و أى مكان لتصنع منه شخصاً هاماً يستحق المراقبة .. و ليصيح بثقة فى وجه إحداهن أن تتركه و شأنه لأنه لا يحتمل المزيد فيكون بصياحه ذلك قد حقق رجولته المكتملة
بالطبع أنا لا أجعل أى منهم يصل لتلك المرحلة معى .. و إلا كنت سأعترف بفشلى كإمرأة فضولية .. فأنا أمارس الفضول للفضول فى ذلك المقهى .. و الرجل هو وسيلتى ليس أكثر
كنت أقول أن البرد شديد .. و اللون الرمادى المحبب لنفسى فى ذلك الوقت من العام يتعانق مع كل قطعة من أثاث المقهى .. كأن بينه و بين كل منها حديث سرى مهم .. تلك الأحاديث تفعل شيئاً ما فى المكان .. وهو على الأرجح شئ حميمى .. وهو فى اعتقادى أيضا ًالذى يبعث الدفئ اللذيذ بقلبى الآن و رغم كل هذا السقيع .. و أنا الآن أسيرة لجمال المكان و للوحدة و الانتظار لممارسة عادتى الفضولية
فكرت أنه وقت فنجان قهوتى الأول التى أصنعها بنفسى .. لايزال المكان صامتاً.. لم تصحو فيروز بعد .. سأعد القهوة لى و لفيروز النائمة .. لأننا نحن الإثنان بحاجة بالغة لكى ننعش المكان احتفالاً بالقادمين
............................................................................
يتبع ....